ليس غريبًا أن تقرأ إعلانًا تجاريًّا للترويج لأحد أنواع المكيفات التي تعطي مستوى أعلى من التبريد؛ فهذا النوع متاح، لكن سيقابله إنفاق مستويات عالية من الطاقة، يجري ترجمتها إلى مزيد من التكاليف في فاتورة استهلاك الكهرباء الشهرية.

فريق بحثي من الجامعة المصرية اليابانية، نجح في تحقيق المعادلة الصعبة في تصميم مكيفات هواء تحقق ميزة التبريد الأعلى كفاءةً دون استهلاك المزيد من الطاقة، وبالتالي بتكلفة أقل، وذلك عبر استخدام المواد متغيرة الحالة "phase change materials"، والتي تُعرف باسم (PCM).

تقدم هذه الورقة البحثية دراسةً حول تقنية جديدة للاستفادة من نظام تخزين الطاقة الحرارية للمواد متغيرة الحالة في وحدة تكييف الهواء التقليدية لزيادة أداء عملية التبريد ومستواها. تعتمد التقنية على دمج لوحات من المواد متغيرة الحالة مع مكثف وحدة تكييف الهواء، بحيث تستخدم لوحات المواد متغيرة الحالة طاقتها التخزينية الباردة في أثناء الليل لزيادة أداء التبريد للوحدة خلال النهار.

وتتميز المواد متغيرة الحالة بأن لكل مادة من هذه المواد درجة حرارة إشباع مميزة وفريدة، وهي النقطة التي تتحول عندها من الحالة الصلبة إلى السائلة، فهناك مثلًا مواد تتحول من حالة إلى أخرى عند درجة حرارة 24 درجة مئوية ومواد أخرى عند 26 درجة مئوية أو 28 درجة مئوية.

استخدم الفريق البحثي في بحثه المنشور بدورية الطاقة التطبيقية أبلايد إنيرجي "Applied Energy" في نوفمبر الماضي، مادة (PCM 24) في تصميم المكيف؛ إذ تكون حرارة الهواء ليلًا أقل من 24 درجة مئوية، فتحتفظ تلك المواد ببرودة الهواء، وعندما تزيد الحرارة نهارًا عن 24 درجة مئوية تتحول من الحالة الصلبة إلى السائلة وتطلق الهواء البارد الذي خزنته ليلًا.

تطبيقات سابقة

ووظفت هذه المواد في مجال الطاقة في عدة تطبيقات سابقة على هذا التطبيق، بغية تحقيق التبريد الحر "Free cooling"، الذي يحقق الارتياح الحراري "Thermal comfort"، إذ اختبرت عدة أبحاث دمجها في مواد البناء المختلفة، في أثناء تشييد المنازل.

ويُعرف الارتياح الحراي بأنه شعور الإنسان بالراحة النفسية والجسدية بفعل عوامل البيئة المحيطة، وتختلف مستوياته وفقًا لعوامل الجنس والعمر والمكان والفصول المناخية، ويرتبط أيضًا بدرجة حرارة الهواء المحيط ومستوى الرطوبة النسبية وحركة الهواء ومتوسط الحرارة الإشعاعية ونوع الألبسة التى يرتديها الإنسان وطبيعة النشاط البشري ودرجة حرارة كل من التدفئة والتبريد وفقًا لتصميم المبنى.

ورغم ما حققته تلك المواد في تخفيض درجات الحرارة بمعدلات وصلت إلى 4 أو 5 درجات مئوية، وفق نوع المادة المستخدمة، كما أشارت عدة أبحاث سابقة استخدمتها في تصميمات المباني.

ووفق بحث أجراه فريق بحثي إسباني ونُشر في سبتمبر من عام 2017 في دورية الطاقة التطبيقية "Applied Energy"، فإن هذه النسبة من التخفيض تجعل من التكلفة العالية لاستخدام هذه المواد غير مُجدِية من الناحية الاقتصادية، ولا سيما أنها قد لا تصل بدرجة الحرارة داخل المبنى إلى الارتياح الحراري الذي يقدر بما يتراوح بين 22 و24 درجة مئوية صيفًا.

يقول "حمدي حسان"، الأستاذ بكلية الهندسة بالجامعة المصرية اليابانية، والباحث الرئيسي بالدراسة، في تصريحات خاصة لـ"للعلم": "استخدام هذه المواد في أجهزة التكييف تطبيق جديد، سعينا من خلاله إلى المزج بين الحصول على تبريد أعلى وتخفيض معدلات استهلاك الطاقة"، مضيفًا أن النتائج أظهرت نجاح ذلك التوجه.

وتتلخص الفكرة في وجود وحدة تتضمن ألواحًا أفقية أو رأسية من المواد متغيرة الحالة قبل المكثف الخاص بالتكييف، بحيث يمر الهواء ليلًا على هذه الوحدة فيتم تخزين البرودة داخل هذه المواد، وعند تجاوز حرارة الهواء نهارًا درجة الـ24 درجة مئوية تتحول تلك المواد إلى الحالة السائلة فيتم إطلاق البرودة، ما يقلل من ضغط المكثف، وبالتالي يقلل من الطاقة المستهلكة، إضافة إلى تحقيق التبريد الزائد.

آلية عمل التكييف

وتوجد طريقة لتحقيق التبريد الزائد تستخدمها حاليًّا مكيفات تُطرح تجاريًّا، ولكن يقابل هذه الميزة زيادة في السعر وتكلفة التشغيل، ولكن استخدام المواد متغيرة الحالة يحقق هذه الميزة دون تكلفة زائدة.

يشرح المهندس "محمود سعيد" -الباحث المشارك بالدراسة- أجزاء جهاز التكييف ومكوناته، وصولًا إلى الإضافة التي حققها التصميم الجديد الذي تم تسجيله كبراءة اختراع بمكتب براءات الاختراع بأكاديمية البحث العلمي.

يقول "سعيد": "يتكون المكيف من أربعة أجزاء رئيسية، هي الضاغط (الكمبريسور) والمبخر والمكثف وصمام الانتشار، ويكون الضاغط والمكثف ومروحة التكثيف خارج المبنى، أما المبخر ومروحة التبخير وصمام الانتشار فداخل المبنى".

ويستطرد: "عمل جهاز التكييف يعتمد على استخدام غاز الفريون كعامل مساعد في انتقال الحرارة من المبنى وإليه، فعندما نقوم بتشغيله يعمل الكمبريسور على تحريك غاز الفريون داخل مواسير المكثف الذي يقوم بتكثيف الغاز بطرد الحرارة منه بمساعدة مروحة التكثيف، ومن ثم يبرد الغاز ويتحول إلى سائل يمر داخل مواسير المبخر الذي يقوم بنقل الحرارة من الهواء الداخلي وبالتالي تبريده، بينما ترتفع درجة حرارة سائل الفريون ويتحول إلى غاز ويعود إلى الضاغط لتتكرر الدورة مرةً أخرى طيلة فترة تشغيل الجهاز".

ولتحسين الأداء والحصول على برودة زائدة يضيف "سعيد": "هناك أجهزة تستخدم مكثفًا إضافيًّا، أو ما يُعرف بمقتصد الوقود (economizer)، ولكن يقابل ذلك زيادة في تكلفة الوحدة واستهلاك الطاقة المستخدمة نفسها في حال وجود الوحدة بدون المكثف الإضافي". ويشدد على أنه في المقابل هناك وحدات تهتم بتوفير الطاقة وتعطي مستويات التبريد العادية نفسها، ولكن سعرها يكون مرتفعًا، وهذه تستخدم اثنين من الكمبريسور في تصميمها.